أولا : الغسل للعائن وبعض المسائل المتعلقة به : جاءت الأدلة النقلية
الصريحة تؤكد على أن غسل العائن ينفع بإذن الله عز وجل بكنه وكيفية لا
يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى 0
فقد ثبت من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف - رضي الله عنه - قال :
( مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل ، فقال : لم أر كاليوم ، ولا
جلد مخبأة 0 فما لبث أن لبط به 0 فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقيل
له : أدرك سهلا صريعا قال : ( من تتهمون به ؟ ) قالوا عامر بن ربيعة 0
قال : ( علام يقتل أحدكم أخاه ؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه ، فليدع
له بالبركة ) ثم دعا بماء 0 فأمر عامرا أن يتوضأ 0 فغسل وجهه ويديه إلى
المرفقين 0 وركبتيه وداخله إزاره 0 وأمره أن يصب عليه 0 قال سفيان :
قال معمر عن الزهري : وأمره أن يكفأ الإناء من خلفه ) ( صحيح الجامع -
556 ) 0
قال المناوي
" إذا رأى " أي علم " أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه
" من النسب أو الإسلام " ما يعجبه " أي ما يستحسنه ويرضاه من أعجبه الشيء
رضيه " فليدع له بالبركة " ندبا بأن يقول اللهم بارك فيه ولا تضره ويندب
أن يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، ولا شبهة في تأثير العين في
النفوس فضلا عن الأموال وذلك لأن بعض النفوس الإنسانية
يثبت لها قوة هي مبدأ الأفعال الغريبة ) ( فيض القدير – 1 / 351 ) 0
ثانياً : الرقى والتعاويذ : إن الرقى والتعاويذ من أعظم ما يقي ويزيل
العين قبل وبعد وقوعها بإذن الله تعالى ، وهناك بعض الآيات أو السور التي
ثبت نفعها في الرقية بشكل عام ، وكذلك ثبت وقعها وتأثيرها في علاج العين
بإذن الله تعالى ، وقد تم ذكر ذلك مفصلاً في الصفحة الرئيسية للموقع ،
تحت عنوان ( كيف تقي وتعالج نفسك بالرقية الشرعية ؟؟؟ ) 0
ثالثا : الوضوء : ويسن لعلاج العين أن يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه
المعين ، لما ثبت من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : ( كان
يؤمر العائن ، فيتوضأ ، ثم يغتسل منه المعين ) ( صحيح أبو داوود - 3286 )
0
قال محمد بن مفلح تعقيبا على هذا الحديث
وهذا من الطب الشرعي المتلقى
بالقبول عند أهل الإيمان 0 وقد تكلم بعضهم في حكمة ذلك ، ومعلوم أن ثم
خواص استأثر الله بعلمها فلا يبعد مثل هذا ولا يعارضه شيء ، ولا ينفع
مثل هذا إلا من أخذه بالقبول واعتقاد حسن ، لا مع شك وتجربة ) ( الآداب
الشرعية – 3 / 58 ) 0
وروى مالك - رحمه الله - أيضا عن محمد بن أبي أمامة بن سهل ، عن أبيه
حديث الغسل آنف الذكر ، وقال فيه : ( إن العين حق ، توضأ له ، فتوضأ له )
( صحيح ابن ماجة – 2828 )
قال القرطبي
أمر صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أمامة العائن
بالاغتسال للمعين ، وأمر هنا بالاسترقاء ، قال علماؤنا : إنما يسترقى من
العين إذا لم يعرف العائن ، وأما إذا عرف الذي أصابه بعينه فإنه يؤمر
بالوضوء على حديث أبي إمامة ، والله أعلم ) ( الجامع لأحكام القرآن - 9 /
226 ) 0
رابعا : الدعاء بالبركة : يسن إذا رأى أحد من أخيه ما يعجبه أن يدع له
بالبركة 0
قال النووي - رحمه الله -
ويستحب للعائن أن يدعو للمعين بالبركة
فيقول :" اللهم بارك فيه ولا تضره " ، وأن يقول : " ما شاء الله لا قوة
إلا بالله " ) ( روضة الطالبين – 7 / 200 ) 0
قال ابن القيم - رحمه الله -
وإذا كان العائن يخشى ضرر عينه
وإصابتها للمعين ، فليدفع شرها بقوله : اللهم بارك عليه كما قال النبي e
لعامر بن ربيعه لما عان سهل بن حنيف : " ألا بركت " أي : قلت : اللهم
بارك عليه ) ( زاد المعاد – 4 / 170 ) 0
قال الدميري
ويندب للعائن أن يدعو له بالبركة – يعني للمعين –
فيقول : اللهم بارك فيه ولا تضره ) ( حياة الحيوان الكبرى - 1 / 255 ) 0
يقول الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – حفظه الله – عن دليل الدعاء
بالبركة
أما التبريك فقد ورد في عدة أحاديث "هلا بركت عليه" فمن خاف
أن يصيب شيئاً فليذكر الله وليدع بالبركة حتى لا يصاب المعين ، ولا شك أن
ذكر الله تعالى سبب للبركة وكثرة الخير ، وزوال النقم ، وحلول النعم )
( المنهل المعين في إثبات حقيقة الحسد والعين – ص 196 ) 0
خامسا : التكبير ثلاثا : ومما ينفع في علاج العين قيام المعين بالتكبير
ثلاثا فإن ذلك يرد العين بإذن الله سبحانه وتعالى 0
قال الشيخ محمد الأمين المختار الشنقيطي
وفي بعض الروايات لغير
مالك : هلا كبرت ، أي يقول : الله أكبر ثلاثا ، فإن ذلك يرد عين العائن
0
وقال أيضا : وكذلك من اتهم أحدا بالعين 0 فليكبر ثلاثا عند تخوفه منه 0
فإن الله يدفع العين بذلك والحمد لله ) ( أضواء البيان - 650 ، 651 ،
653 ) 0
قال الشيخ عطية محمد سالم - رحمه الله - : ( ويقال إن الشخص الذي يخاف
على نفسه أو ماله من عين إنسان أن يقول هو على نفسه ما شاء الله تبارك
الله ، يرفع بها صوته يسمع الشخص الذي خاف منه أو يكبر على نفسه أو ماله
قائلا : الله أكبر ثلاث مرات ) ( العين والرقية والاستشفاء من القرآن
والسنة - ص 45 ) 0
سادسا : قول ( ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) : ويستحب كذلك لمن رأى
شيئا من نفسه أو ماله أو ولده أو أي شيء فأعجبه أن يقول : ما شاء الله لا
قوة إلا بالله ، يقول تعالى في محكم كتابه : } وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ
جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ
تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا
وَوَلَدًا ) ( الكف – 39 ) 0
قال ابن كثير والبغوي - رحمهما الله -
قال بعض السلف من أعجبه شيء من
حاله أو ماله أو ولده فليقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله 0
وروى هشام بن عروة عن أبيه ، أنه كان إذا رأى شيئا يعجبه ، أو دخل حائطا
من حيطانه قال : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) ( تفسير القرآن العظيم
- 3 / 84 ، شرح السنة – 12 / 166 ) 0
قال النووي - رحمه الله -
ويستحب للعائن أن يدعو للمعين بالبركة
فيقول :" اللهم بارك فيه ولا تضره " ، وأن يقول : " ما شاء الله لا قوة
إلا بالله " ) ( روضة الطالبين - 7 / 200 )
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : ( وأما العلاج للعائن
فإذا رأى ما يعجبه فليذكر الله وليبرك ، فيقول : ما شاء الله لا قوة إلا
بالله ويدعو للشخص بالبركة ) ( فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية
والإفتاء – السؤال الثاني من فتوى رقم 6366 ، 1 / 365 ، 366 ) 0
سابعا : الاستعاذة بالله من العين : ويسن كذلك الاستعاذة بالله من العين
كما ثبت من حديث عائشة - رضي الله عنها - حيث قالت : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ( استعيذوا بالله من العين فإن العين حق ) ( صحيح
الجامع – 938 ) 0
قال ابن القيم - رحمه الله -
فلما كان الحاسد أعم من العائن ، كانت
الاستعاذة منه استعاذة من العائن ، وهي - أي العين - سهام تخرج من نفس
الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة ، فإن
صادفته مكشوفا لا وقاية عليه ، أثرت فيه ولا بد ، وإن صادفته حذرا شاكي
السلاح لا منفذ فيه للسهام ، لم تؤثر فيه ، وربما ردت السهام على
صاحبها ) ( الطب النبوي – ص 166 ) 0
قال النسفي في تفسيره لسورة الفلق : ( فإن الاستعاذة من شر هذه
الأشياء ، بعد الاستعاذة من شر ما خلق إشعار بأن شرّ هؤلاء أشدّ وختم
بالحسد ليعلم أنه شرّها ) ( تفسير النسفي – 4 / 430 ) 0
قال فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله -
وقد أمر
الله بالاستعاذة من العائن ، فهو داخل في قوله تعالى : ( وَمِنْ شَرِّ
حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ) ، وبالاستعاذة من شره يحصل الحفظ والحماية والله
أعلم ) ( المنهل المعين في إثبات حقيقة الحسد والعين – ص 208 ) 0
قال الشيخ عطية محمد سالم - رحمه الله - : ( أمر الله تعالى عباده
بالاستعاذة من شر ما خلق عموما ثم من شر غاسق إذا وقب ، ومن شر النفاثات
في العقد ومن شر حاسد إذا حسد ، وكلها – أمور مغيبة عنا ولا يعيذ منها
إلا الله سبحانه ) ( العين والرقية والاستشفاء من القرآن والسنة - ص 43 )
0
ثامنا : المحافظة على الذكر والدعاء : ومن أنجع الوسائل للوقاية من العين
قبل وقوعها وبعده التحصن بالأذكار والأدعية 0
قال ابن القيم
ومن جرب الدعوات والعوذ ، عرف مقدار منفعتها ، وشدة
الحاجة إليها ، وهي تمنع وصول أثر العائن ، وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة
إيمان قائلها ، وقوة نفسه ، واستعداده ، وقوة توكله وثبات قلبه ، فإنها
سلاح ، والسلاح بضاربة ) ( زاد المعاد – 4 / 170 ) 0
قال محمد بن مفلح
ويعالج المعين مع ذلك بالرقى من الكتاب والسنة
والتعوذ والدعاء ) ( الآداب الشرعية – 3 / 60 ) 0
قال فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله -
إن من
أسباب كثرة المصابين بهذه الأمراض - يعني الصرع والسحر والعين والحسد-
إعراضهم عن التحصين بالذكر والأوراد والأدعية الشرعية ) ( فتح المغيث – ص
4 ) 0
وكذلك يستحب الدعاء للمصاب بالعين بقول : ( اللهم أذهب عنه حرها وبردها
ووصبها ) ، فقد ورد عن عبدالله بن عامر قال : انطلق عامر بن ربيعة وسهل
بن حنيف يريدان الغسل ، قال : فانطلقا يلتمسان الخَمَر ( الخَمَر : أي كل
ما يستر من شجر أو جبل أو غيره ) ، قال : فوضع عامر جبة كانت عليه من
صوف ، فنظرت إليه – أي إلى سهل – فأصبته بعيني فنزل الماء يغتسل ، قال :
فسمعت له في الماء قرقعة فأتيته فناديته ثلاثاً فلم يجبني فأتيت النبي
فأخبرته ، قال : فجاء يمشي فخاض الماء حتى كأنّي أنظر إلى بياض ساقيه ،
قال : فضرب صدره بيده ثم قال : ( اللّهمّ أذهب عنه حرّها وبردها ووصبها –
الوصب : التعب - ) قال : فقام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا رأى أحدكم من أخيه أو من نفسه أو ماله ما يعجبه ، فليبركه ، فإن
العين حق ) ( أخرجع الحاكم في المستدرك - 3 / 411 ، 412 - 4 / 215 -
وقال : حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في " التلخيص " ،
وقال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح الجامع 556 ) 0
قال الدكتور محمد محمود عبدالله مدرس علوم القرآن بالأزهر : ( ومن أصيب
بعين دعي له ورقي بقوله : " بسم الله اللّهمّ أذهب حرّها وبردها ووصبها -
ثم يقول - قم بإذن الله تعالى " أخرج الحديث النسائي والحاكم في
المستدرك ) ( إعجاز القرآن في علاج السحر والحسد ومسّ الشيطان – ص 109 )
0
والحديث صحيح كما بين ذلك أهل العلم ، ومن هنا فإنه يسن للمسلم أن يدعو
لأخيه المسلم بهذا الدعاء لمن ابتلي بداء العين والحسد ، والخبرة
والتجربة تعضد قول المعصوم عليه الصلاة والسلام ، علماً أنه قد ثبت
معاناة معظم مرضى العين والحسد من كافة الأعراض المذكورة في الحديث كشعور
المريض بالتعب والنصب والحرارة والبرودة ، والدعاء بهذه الكيفية فيه توجه
إلى الله سبحانه وتعالى لإزالة كافة هذه الأعراض وشفاء المريض بإذن الله
سبحانه وتعالى والله أعلم 0
تاسعا : استخدام المداد المباح : ومن الأمور المجربة والنافعة لعلاج
العين استخدام المداد المباح بالزعفران ونحوه ، كما أشار لذلك جماعة من
السلف 0
قال ابن القيم - رحمه الله -
ورأى جماعة من السلف أن تكتب له - للعين
- الآيات من القرآن ، ثم يشربها 0 قال مجاهد : لا بأس أن يكتب القرآن ،
ويغسله ، ويسقيه المريض ، ومثله عن أبي قلابة 0 ويذكر عن ابن عباس : أنه
أمر أن يكتب لامرأة تعسر عليها ولادتها أثر
من القرآن ، ثم يغسل وتسقى 0 وقال أيوب : رأيت أبا قلابة كتب كتابا من
القرآن ، ثم غسله بماء ، وسقاه رجلا كان به وجع ) ( الطب النبوي – ص
170 ، 171 ) 0
عاشرا : الاحتراز بستر محاسن من يخاف عليه من العين :
قال ابن القيم - رحمه الله -
ومن علاج ذلك أيضا والاحتراز منه ستر
محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه ، كما ذكر البغوي في كتاب " شرح
السنة ": أن عثمان – رضي الله عنه – رأى صبيا مليحا ، فقال : دسموا
نونته ، لئلا تصيبه العين ، ثم قال في تفسيره : ومعنى : دسموا نونته :
أي : سودوا نونته ، والنونة : النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير )
( الطب النبوي – ص 173 ) 0
قال الإمام مسلم
قال القاضي عياض بعد ذكر حديث حسد عامر بن ربيعه
لسهل بن حنيف : في هذا الحديث من الفقه ما قاله بعض العلماء أنه ينبغي
إذا عرف أحد بالإصابة بالعين أن يجتنب ويتحرز منه ، وينبغي للإمام منعه
من مداخلة الناس0 ويأمره بلزوم بيته فإن كان فقيرا رزقه ما يكفيه ،
ويكف أذاه عن الناس ) ( صحيج مسلم بشرح النووي ) 0
قال محمد بن مفلح
وليحترز الحسن من العين والحسد بتوحيش حسنه )
( الآداب الشرعية – 3 / 60 ) 0
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن المبالغة في الخوف من
الإصابة بالعين ، ومنع الأطفال من مخالطة الناس خوفاً عليهم من العين ؟
فأجاب – حفظه الله - : ( لا تعتبر وإنما هي من تجنب أسباب الشرور
والأضرار ، وقد ورد ما يدل على الجواز في صبي جميل أمروا أن يغيروا صورته
خوف العين ، كما سبق الأثر عن عثمان في قوله " دسموا نونته " أي سودوها ،
وهي النقرة في أسفل الوجه ، وذلك سبب مما شرعه الله ، فقد قال تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ) ( النساء –
الآية 71 ) وهو يعم الحذر من كل ما فيه ضرر على النفس أو المال ، وقال
تعالى : ( وَخذُوا حِذْرَكُمْ ) ( النساء – الآية 102 ) ( المنهل
المعين في إثبات حقيقة الحسد والعين - 218 ، 219 ) 0