الدروس اليومية
في السلسلة العلمية ـ نحو موسوعة شرعية في علم الرقى
( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ( ! ) من بداية صفحة
رقم 75 ـإلى نهاية صفحة رقم 89 ) 0
مقدمة
إن الأمراض الإنسانية مهما بلغت في عظمها ، وخطورة تأثيرها ، فإنها لن
تقف وتقاوم كلام الحق تبارك وتعالى وهو القائل : { لَوْ أَنْزَلْنَا
هَذَا الْقُرْءانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ
خَشْيَةِ اللَّهِ 000 } 0
( سورة الحشر - الآية 21 ) 0
إن القرآن والسنة شفاء لكثير من الأمراض المتنوعة على اختلاف أنواعها
ومراتبها ، وهذه الخاصية لا ينكرها إلا جاحد أو جاهل أو حاقد لا يعلم
حقيقة هذين الأصلين ، ولم يدرك المنبع والمصدر لكليهما ، أو أنه يتجاهل
تلك الحقائق ، ويقيس الحياة بمقياس معنوي مادي محسوس ، دون النظر إلى
القرائن والأدلة الثابتة من الكتاب والسنة التي تبين ذلك وتؤكده 0
قال ابن عبدالبر : ( إنَّ الرقي يدفع البلاء ، ويكشفه الله به ، وهو من
أقوى معالجة الأوجاع لمن صحبه اليقين الصحيح ، والتوفيق الصريح )
( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ص ـ 75 ) 0
إن المؤمن الحق ، يعتقد جازما متيقنا أن في الكتاب والسنة شفاء لكل داء
سواء كان حسيا أو معنويا ، وبتدبر معاني القرآن والسنة وتطبيق أحكامهما ،
سموا بالنفس البشرية وأحاسيسها ومشاعرها تجاه الآخرين ، فتتجلى عوامل
الصدق والإخلاص والأمانة والحب والوفاء والعدل إلى آخره من خصال وأحكام
أقرتها الشريعة ، وتبدأ تلك الملامح تتضح على جوارح من آمنوا بتلك
الأحكام وصدقوا بها 0
* القرآن والشفاء :-
إن القرآن شفاء ورحمة لمن خالطت قلوبهم بشاشة الإيمان ، فأشرقت وتفتحت
لتلقى ما فيه من طمأنينة وسكينة وأمان 0 وفيه شفاء من الوسوسة والقلق
والحيرة ، فهو يصل القلب بالله فيسكن ويطمئن ويستشعر الحماية والأمن
ويرضى ، فينعم بالرضى من الله والرضى عن الحياة ، والقلق مرض والحيرة
نصب ، والوسوسة داء ، ومن ثم هو رحمة للمؤمنين 0 وفيه شفاء من الهوى
والدنس والطمع والحسد ، ونزغات الشيطان وهي من آفات القلب تصيبه بالمرض
والضعف والتعب فتدفع به إلى التحطم والبلى والانهيار ، ومن ثم هو رحمة
للمؤمنين ، وفيه شفاء من العلل الاجتماعية التي تخلخل بناء الجماعات
وتذهب بسلامتها وأمنها وطمأنينتها ؛ فتعيش الجماعة في ظل نظامه الاجتماعي
وعدالته الشاملة
في سلامة وأمن وطمأنينة ، ومن ثم فهو رحمة للمؤمنين ، إن التدبر والتفكر
بالمعاني التي يحملها القرآن والسنة يعطي صفاء للنفس البشرية ، بحيث لا
يبقي من أدران القلوب شيئا ، وتصبح القلوب طاهرة نقية تنبض بالإيمان الذي
ينير لها الطريق في الدارين ، وهذا الفهم والإدراك تجلى لدى صحابة رسول
الله صلى الله عليه وسلم 0
قال ابن كثير : ( وقال الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : كان الرجل
منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن ، وقال
أبو عبد الرحمن السلمي حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون
من النبي صلى الله عليه وسلم
وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل
فتعلمنا القرآن والعمل جميعا ) 0
( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ص ـ 78 ) 0
قال الدارمي ( قال الحافظ العلائي : ينبغي أن يعد كتاب الدارمي سادساً
للكتب الخمسة \\\" وهي : صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وسنن أبي داوود
والترمذي والنسائي \\\" بدل كتاب ابن ماجة فإنه قليل الرجال الضعفاء نادر
الأحاديث المنكرة والشاذة ) 0
: ( حدثنا معاذ بن هاني ( معاذ بن هاني : هو معاذ بن هاني اليشكري ويقال
البهراني البصري أخرج له البخاري في اللباس عن عمرو بن علي عن همام –
التعديل والتجريح – لمن خرج له – 2 / 714 0
روى عنه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني وأحمد بن عصام الأصبهاني والحسن بن
علي – تهذيب الكمال – 28 / 138 ) 0
حدثنا حرب بن شداد ( حرب بن شداد : اليشكري أبو الخطـاب البصري ، ثقة من
السابعة ، مات سنة إحدى وستين ، وقد روى لـه البخـاري ومسلم وأبو داوود
والترمذي والنسائي – تقريب التهذيب – 1 / 155 ) 0
حدثنا يحيى هو ابن أبي كثير ( يحيى بن أبي كثير الطائي : مولاهم أبو نصر
اليمامي ، ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل ، من الخامسة ، مات سنة اثنتين
وثلاثين وقيل قبل ذلك – تقريب التهذيب – 1 / 596 ) 0
حدثني حفص بن غياث الحنفي ( حفص بن غياث : بن طلق بن معاوية النخعي أبو
عمر الكوفي القاضي ، ثقة فقيه تغير حفظه قليل في الآخر ، من الثامنة ،
مات سنة أربع أو خمس وتسعين وقد قارب الثمانين – تقريب التهذيب – 1 /
173 ) 0
أن أبا هريرة –رضي الله عنه– قال
إن البيت ليتسع على أهله وتحضره
الملائكة ، وتهجره الشياطين ، ويكثر خيره ، أن يقرأ فيه القرآن ، وإن
البيت ليضيق على أهله ، وتهجره الملائكة ، وتحضره الشياطين ، ويقل خيره ،
أن لا يقرأ فيه القرآن ) 0
( أخرجه الدارمي في سننه – 2 / 522 ) 0
وقال الطبراني : ( حدثنا عبدالله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ( عبدالله
بن محمد بن سعيد بن أبي مريم : يحدث عن الفربابي وغيره بالبواطيل –
الكامل في ضعفاء الرجـال – 4 / 255 0 قال بن عدي : حدث عن الفربابي
بالبواطيل – لسان الميزان – 3 / 337 ) 0
عن محمد بن يوسف الفربابي ( محمد بن يوسف الفربابي : نزيل قيساربة من
ساحل الشام ثقة فاضل ، يقال أخطأ في شيء من حديث سفيان ، وهو مقدم فيه مع
ذلك عندهم على عبدالرزاق ، من التاسعة مات سنة اثنتي عشرة – تقريب
التهذيب – 1 / 515 ) 0
عن سفيان عن منصور عن أبي وائل عن عبدالله بن مسعود قال : ( إن هذا
الصراط محتضر تحضره الشياطين يقولون : يا عباد الله هذا الطريق فاعتصموا
بحبل الله فإن الصراط المستقيم كتاب الله )
( المعجم الكبير للطبراني – 9 / 212 ) 0
وقد أخرج الدارمي في سننه بنحو ذلك عن أبي وائل عن عبدالله قال : ( إن
هذا الصراط محتضر تحضره الشياطين ينادون يا عبد الله هذا الطريق فاعتصموا
بحبل الله فإن حبل الله القرآن ) 0
( أخرجه الدارمي في سننه – 2 / 524 ) 0
ولا بد للمؤمن أن يعتقد كذلك أن القرآن دواء وشفاء بإذن الله لكافة
الأمراض العضوية والنفسية والأمراض التي تصيب النفس البشرية من صرع وسحر
وعين وحسد ونحوه ، وأن يتيقن أن العلاج بالقرآن الكريم حقيقة واقعة ،
أثبتتها الأدلة القطعية من الكتاب والسنة ومن ثم الخبرة والتجربة
العملية ، ومن فسر شفاء القرآن على شفاء القلوب فهو تفسير قاصر ، لأنه
شفاء لأمراض القلوب والأبدان معا 0
يقول فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان : ( يقول تعالى : } وَنُنَزِّلُ
مِنْ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ { ( سورة
الإسراء - الآية 82 ) 0
و } مِنْ { هنا بيانية فالقرآن كله شفاء ودواء لكل داءٍ فمن آمن به
وأحلَّ حلاله وحرّم حرامه انتفع به انتفاعاً كبيراً ، ومن صَدَقَ الله في
قصدِه وإرادتِه شفاه الله تعالى وعافاه من دائِه )
( نشرة لفضيلة الشيخ بتاريخ 21 / 1 / 1417 هـ – ص 3 ) 0
يقول الشيخ عبدالله بن محمد السدحان : ( القرآن علاج لكل شيء والأصل في
التداوي هو : أن يكون بالقرآن ، ثم بالأسباب الدوائية حتى في الأمراض
العضوية ، لا كما يزعمه جهلة القراء من أن من كان مرضه عضوياً فليذهب إلى
المستشفيات ، ومن كان مرضه نفسياً فليذهب إلى العيادات النفسية ، أما إن
كان مرضه روحياً فعلاجه بالقراءة !! فمن أين لهم هذا التقسيم ؟ فالقرآن
طب القلوب ودواؤها وعافية الأبدان وشفاؤها ، قال تعالى } وَنُنَزِّلُ
مِنْ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ { ( سورة الإسراء - الآية 82 ) 0
0 وانظر إلى كلمة شفاء ، ولم يقل دواء لأنها نتيجة ظاهرة ، أما الدواء
فيحتمل أن يشفي وقد لا يشفي ) ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع
والسحر والعين ص ـ 81 ) 0
يقول فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن ناصر العبيكان – حفظه الله – في تقديمه
للكتاب الموسوم \\\" كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية \\\" للشيخ عبدالله
بن محمد السدحان : ( والناس في هذا الزمن خاصة في أشد الحاجة للعلاج
بالرقية الشرعية لانتشار الأمراض التي لا يوجد لها في الطب الحديث علاج
كالسحر والعين ومس الجن ) ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر
والعين ص ـ 81 ) 0
قال الأستاذ سيد قطب : ( في القرآن شفاء من الوسوسة والقلق والحيرة ، فهو
يصل القلب بالله فيسكن ويطمئن 000 وفي القرآن شفاء
من الهوى والدنس والطمع والحسد ، ونزغات الشيطان 000 والقرآن شفاء من
العلل الاجتماعية التي تخلخل بناء الجماعات وتذهب بسلامتها وأمنها
وطمأنينتها 0
وعندما يصبح القرآن ربيع القلب ، ونور الصدر ، وجلاء الحزن ، وذهاب
الهم ، فإنه بمنزلة الدواء الذي يستأصل الداء ويعيد البدن إلى صحته
واعتداله بعد مرضه واعتلاله ) ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع
والسحر والعين ص ـ 81 ) 0
قال الأستاذ أحمد الصباحي عوض الله : ( فالقرآن الكريم هو الشفاء التام
من جميع الأمراض النفسية والعضوية ، والسنة المحمدية المستمدة من القرآن
تبين لنا طرق التداوي به 0
وعلى كل مسلم أن يستلهم من دينه العظيم – قرآناً وسنة – ما ينفعه في دينه
ودنياه ، حتى يوفق إلى الاستشفاء بهما 00 وما يستطيع أن يوفق إلا
المخلصين الأبرار 0 الذين يتداوون بهما بقبول وصدق ، وإيمان واعتقاد 0
فإن الأمراض مهما عظمت فلن تقاوم كلام الله رب الأرض والسماء وخالق كل
شيء – الذي لو نزل على الجبال لخشعت وتصدعت من خشيته – 0
وما من مرض إلاَّ وفي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة سبيل إلى
شفائه ، وعلينا أن نتدبر القرآن والسنة ، ففيهما الدواء وفيهما الشفاء 0
والله وحده هو الشافي ، ولا شفاء إلا شفاؤه ) ( فتح الحق المبين في أحكام
رقى الصرع والسحر والعين ص ـ 82 ) 0
وكل ما سبق لا يعني مطلقا الامتناع عن اتخاذ الأسباب الحسية في العلاج
كالذهاب إلى الطبيب والمصحات والمستشفيات ، بل هذا هو الأصل في كونه سببا
حسيا موجبا للشفاء بإذن الله سبحانه وتعالى0 فالمسلم يجمع في سلوكياته
وتصرفاته بين اتخاذ الأسباب الشرعية والحسية المباحة ، وهذا ما أكدته
النصوص القرآنية والحديثية في أكثر من موضع 0